
هناك ثلاث جمل لا يخلو منها أي خطاب رسمي: الأولى: هي «البسملة» وهي «أمر» بالانصات لسماع الخطاب، والثانية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهي «أمر» بالتصفيق، أما الثالثة فهي «أمر» بالتصديق حتى وان كان الخطاب في اليوم الأول من أبريل، هذه الجملة هي «الشباب هم ثروة الوطن، وهم الاستثمار الحقيقي له» كلما سمعتها تذكرت قول الفنان سعد الفرج في مسرحية حامي الديار «ودي أصدق ودي.. بس قوية، قوية»، وكنت أتمنى عند إعادة ترديدها أن ينتفض المستمعون ويرددوا «ودنا نصدق...بس قوية قوية» أتدرون لماذا لا نصدق هذه الجملة؟ لأننا في دولة الدينار والدولار، دولة هدفها الأول أن تكون مركزا ماليا واقتصاديا، دولة تسمي ابناءها وشبابها «بالثروة» ثم «بالاستثمار» وهي كلمات تدل على الفلوس والدنانير.
يقول الشباب قبلنا ان نكون ورقة دينار ولكن شريطة أن نعامل كما تعامل ورقة الدينار، فحين نحصل على الدينار نضعه في المحفظة لنحافظ عليه ثم في الجيب ثم نودعه في البنك ونتسلم إيصالا ونحمل البنك أي ضرر عليه، ثم نتسلمه بتوقيع وإيصال ونكون حراسا عليه وله وزارة «المالية» والكل في خدمته.
أما الثروة الحقيقية وبراعم شعب المستقبل فهم كالمال السايب معرض للسرقة ولا يدخل بالحسبة، حاولت أن أجد مبررا للحكومة أو كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة لم أجد من يزرع... الكل يريد أن يجني الثمر، يريدون شعبا متعلما، كفاءات، دون أن يساهموا في البناء والتجهيز، يصبح الطفل شابا فلا يجد تعليما متقنا، نعم مدارس كالقلاع العسكرية لكنها خاوية على عروشها، جامعة وحيدة مقطعة الأوصال، مكتظة الأعداد، صعبة المنال، ما اضطر المواطن إلى أن ينتقل هو وبناته وأبناؤه إلى خارج وطنه ليكملوا تعليمهم وليصبحوا مواطنين نافعين تتلقفهم الدولة وشركاتها سلعة جاهزة ليكونوا عبيدا بها.
نعم، لدينا سوء إدارة في البلد، يعتقدون أن حلول مشاكل البلد لا تأتي إلا من خلال تفكيرهم فقط، ومن محاضر اجتماعاتهم، الله سبحانه حين أراد أن يسقي قوم موسى لم يقل له: خذ هذا المطر او هذه العين بل أمره بأن يضرب بعصاه الحجر ليخرج منه الماء، وفي هذه حكمة ربانية ليجعل لموسى عليه السلام هيبة، وقوة، وقناعة بقيادته أمام قومه، ولعصاته مآرب أخرى
إن أبناءنا وبناتنا المنتشرين في الكرة الأرضية يزرعون مستقبل الكويت وهم خارج وطنهم بظروف قاسية جدا، ليس المال كل شيء فرب طالبة أجبرت أسرتها بكاملها على مرافقتها، أقول ذلك عن تجربة لقد درست بالخارج وشعرت بالمعاناة كما أحسست بمعاناة زملائي من طلاب وطالبات لكوني عضوا في اتحاد الطلبة بالقاهرة «قبل ظهور الموبايل والدش».
إن طلبتنا في الخارج وخصوصا في الأردن يعانون الأمرين رغم جهد سفارتنا وسعادة السفير، ولكن اليد الواحدة لا تصفق، فأشد مشاكلهم هي السكن والمواصلات وغيرها، لذلك أناشد سمو رئيس مجلس الوزراء بألا يعتمد على العمل الرسمي والروتيني بحل المشاكل، بل أتمنى أن تحركه مشاعر الأبوة وروح الأسرة الواحدة ويطلب الاجتماع بكل الشركات والمستثمرين الكويتيين ويطلب منهم تأسيس شركة مساهمة تقوم بشراء أراض وبناء مجمعات سكنية أو مدن تجمع الكويتيين طلبة وسائحين متجاورين في الأردن وغيرها، ثم تعرض شققها للبيع والتأجير لوزارة التربية أو للطلبة والسواح الكويتيين، وهذا ذخر واستثمار حقيقي للكويت وشعبها قبل ان تكون تفريج كربة وحسنة للكويتيين ودرءا للمشاكل، هذا المشروع كالحجر الذي يصطاد عشرة عصافير فهو تعاون بين بلدين، وتعويض لشباب الكويت عن عجز الحكومة ببناء جامعات، كمقابل بدل الايجار لحين توزيع البيوت، أو كالعلاج في الخارج مقابل عجز العلاج في الوطن.
سمو رئيس مجلس الوزراء ما أجمل أن تجتمع الثروتان المال والبنون في مشروع واحد، فثروة الكويت في ابنائها وثروة بنوك الكويت وشركاتها الاستثمارية في عمل واحد فيه الدنانير والأرباح في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة.
سمو الرئيس اعقلها وتوكل وأأمر البنوك والمؤسسات والشركات بالمشاركة في عمل وطني مشترك يدر عليهم المال وهو الأهم لديهم ثم يدر عليهم الدعاء من أمهات وآباء طلبة الكويت في الأردن وغيرها.
إن دغدغة مشاعر الشباب بجملة «الشباب هم ثروة الوطن والاستثمار الحقيقي له» أصبحت كزبد الماء لا فائدة منها ولا تصدق.
يقول تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
s.sbe@hotmail.com
إرسال تعليق